الطفل بيسر ووالدته

أمامنا قصة أحد الأطفال الذين جاهدوا بالإيمان بالمسيح وهو في سن الثالثة من عمره ولم يقدر الملك أن يثنيه عن إيمانه بالمسيح .

حدثت هذه القصة في نجران ، هذه المدينة كانت في الجزيرة العربية (بين السعودية واليمن) وكان يسكنها عدد كبير من المسيحيين ، وكان ملكها يهودي إسمه ذو نواس وكان شديد الكره للمسيحيين ونسوق إليكم هذه القصة التي تثبت كراهية هذا الملك للمسيحيين .


كتب التاريخ أن هذا الملك حفر حفرةً كبيرةً وأوقد فيها النيران وأوثق كثيرين من المسيحيين وألقاهم في هذه الحفرةِ لكي يتخلص منهم ، وسمعت إحدى الشهيدات بما فعله الملك فلم تشاء أن تبقي في البيت لكنها أخذت إبنها الصغير معها لتلحق بأخوتها ولا تُحرم من الإستشهاد علي إسم المسيح .


مضت هذه المرأة في طريقها إلي المكان الذي يتم فيه الإستشهاد وهي تحمل إبنها الصغير " بيسر " ، ولما وصلوا إلي المكان رأي الطفل أن الملك جالساً على عرشه تحيط به الجنود وهو يلبس ملابس مزخرفة فاستهواه هذا المنظر .
نزل من علي كتف أمه وجرى إلي مجلس الملك وأقبل إليه يداعبه ويُقبل ركبته ففرح به الملك وبجرأته وسأله عما يريد فقال الطفل بكل براءةٍ أريد أن أموت مع أمي فهي قالت لي هلم نمضى ونموت لأجل المسيح الذي مات لأجلنا لكي يكون لنا نصيب معه ، لأن الملك اليهودي أمر بقتل كل من لا ينكر المسيح لأنه رجل مش كويس وبيكره النصارى وعايز يموتهم كلهم .
قال له الملك ومن أين تعرف المسيح ؟ قال له الطفل : إني أراه كل يوم أنا وأمي في الكنيسة و إن جئت أنت إلي الكنيسة سأريك إياه ، غريبة أنت ما تعرفش المسيح ؟ فيه حد ما يعرفش المسيح ؟ قال له الملك : أتحبني أنا أم تحب أمك ؟ فقال الطفل أنا أحب أمي أكثر منك ، قال له الملك : أتحبني أنا أم تحب المسيح ؟ قال له الطفل أحب المسيح أكثر منك ، لأنه إلهي وهو أفضل منك .
قال له الملك امكث معي وسأعطيك الجوز واللوز والبندق وكل ما تحبه وأكون أنا أبوك وأنت إبني ، وتكون سعيداً ومبسوط جداً ، قال الطفل : بنعمة المسيح لا آكل جوز اليهود ولا أمي أيضاً لأن جوز اليهود هو نجس وأنا أبوي هو المسيح ولا أرضي بغيره وسأكون إبنا له حتى إلي آخر قطرةً من دمي ، ولي الفخر أن أكون إبن المسيح قال له الملك : أنت لستَ في حاجة إلي هذا المسيح ، أنا خيرٌ لك منه قال له الطفل : يا إلهي سامحني كيف أنكر المسيح ؟ لكن إخبرني من تكون أنت وكيف تكون أنت خيرٌ لي منه ؟ أبداً لا يمكن أن يكون لي خير إلا في المسيح .
قال له الملك : أنا لا أعرف المسيح ولستُ من أنصاره ولا تابعيه ، قال له الطفل : يا إلهي كيف يكون هذا ؟ هل يوجد إنسان لا يعرف المسيح ؟ إذاً أنت يهودي إنني لا استطيع أن أبقي معك ، دعني إذاً أن أمضي إلي أمي لئلا تموت وتتركني هنا وحيداً فيأتي اليهود ويأخذوني ، أتركني وإلا ضربتك . سأخبر أمي بأنك يهودي وقد أنكرت المسيح فتضربك هي أيضاً . حرام عليك أن تترك المسيح وتقتل أولاده .
قال هل الملك : لماذا جئت إليَّ إذن وقبلتني في ركبتي وماذا كنت تريد ؟ قال له الطفل : كنت أعلم أنك يهودي لما جئت إليك لأنك تكره المسيح وتعذب أولاده المسيح هيزعل منك ويغضب عليك أفضل لك أن تعرف المسيح قال له الملك : إبقي معي وبلاش من هذه التخاريف التي علمتها لك أمك ، قال له الطفل : لا ... بل أبقي مع أمي وأموت مع أمي لأن رائحتها ذكية وأما رائحتك أنت فهي كريهة لأنك لا تعرف المسيح . عند ذلك قال الملك للجنود الواقفين أمامه:أنظروا وتأملوا النسل الردئ كيف يتكلم؟! إن العراف والساحر إستطاع أن يضل حتى الأطفال ، ثم خاطب أحد وزراء الملك الطفل قائلاً : تعالى معي فآخذك إلي الملكة وستصبح إبناً لها وتنال كرامات كثيرة، فأجاب الطفل العجيب قائلاً : ويحك أيها الشرير المارق إن أمي أفضل ألف مرة من الملكة ، أمي تأخذني إلي الكنيسة أما الملكة فلن تأخذني إلي الكنيسة ، أمي تعلمني أن أصوم وأن أصلي والملكة لا تفعل ذلك . 
فلما رأي الطفل أن الملك لم يرد أن يطلقه ، غافله وعضة في فخذه قائلاً : أتركني أيها اليهودي الشرير . أتركني لكي أذهب إلي أمي لكي أموت معها . غضب الملك كثيراً من أسلوب الطفل معه ورده عليه ، عند ذلك أمر بأن يُسلم الطفل لأحد قواده حتى يكبر ونرى هل ينكر المسيح فينجو وإلا أنه يموت ، فحمله خادم القائد وإنطلق به بينما الطفل يرفس برجليه ويقول : أتركني أيها الشرير لأذهب إلي أمي ، ولما أبصر أمه صرخ قائلاً : أمي أمي أنظري كيف أخذني اليهودي بعيداً عنك . تعالى وخذيني لأذهب معك . كانت الأم تنظر إليه في مباحثاته مع الملك بإعجاب وتنتظر كيف يكون المصير ، وعندما نظرت الأم صراخ الطفل قالت له 
إذهب يا إبني أستودعك المسيح لا تبكي إنني آتيةً إليك لا تخف الموت ولا تجزع من العذاب ، لأن المسيح ينتظرنا فاتح حضنه ومادد يده وسوف يريحنا من كل هذه الأتعاب ونعيش مع المسيح إلي أبد الدهور ... 
عندما رأي أحد الجنود كلام هذه المرأة مع إبنها الطفل الصغير جذبها بقسوةٍ وضربها في صدرها بالرمح فماتت وسلمت روحها بيد فاديها الحبيب وحملتها الملائكة بالتهليل والفرح إلي الأخدار السمائية بركة صلواتها تكون معنا جميعاً.
تقول بعض المصادر : أن الأم إستشهدت بحرقها في النار وأن الطفل غافل الجندي الذي كان يحمله وقفز إلى أمه في النار حيث إستشهد معها .
ومصدرٍ آخر يقول : عندما كبر الطفل وبلغ أمره ونبوغه إلي الملك المسيحي جوستنيان أرسل وأخذه إليه بل أنه إعتبره واحداً من المعترفين فلما بلغ سناً مناسبةً عينه في البلاد أميناً ومستشاراً خاصاً للملك وقدمه علي كثيرين هناك .
عُرف عنه في المملكة وداعته وفضله ودماثة خلقه ، فقد كان يقضى وقته في الصلاة بعد إتمامه مهامه اليومية ويقضى أيام الأجازات كلها في العبادة منذ الفجر حتى الغروب ، كما كان يصوم دائماً حتى المساء ويذهب إلي الكنائس التي في المملكة ويقدم بعض العظات البسيطة ويحض الناس على العبادة والإقتراب إلي الله مقدمين حتى أجسادهم لأجل المسيح الذي مات من أجلهم ويحكي لهم عما فعله الملك اليهودي بالمسيحيين وكانت دموعه تسيل عندما يروي كيف كانت القسوة وعدم الرحمة حتى بالأطفال الصغار وكيف كانت المحرقة الكبرى حين ما حفر الملك ذو نواس الملك اليهودي حفرة كبيرة وأوقد فيها النيران وألقي فيها المسيحيين . 
وصار معلوماً للجميع الذين شاهدوه أو سمعوه أنه هو الطفل الصغير الذي تكلم مع الملك اليهودي محاجا إياه عن المسيح والديانة المسيحية مدافعاً عن إيمانه مفضلاً الموت عن بنوته للملك والعيشة في قصور الملوك كما قال الكتاب المقدس : " آخرون عُذبوا ولم يقبلوا النجاة لأنهم كانوا يتطلعون لقيامةٍِ أفضل" .. وإذ لم
يكن راغباً في مجد الناس والحديث عن شخصه فقد أحجم عن الكلام ولكن الغيورين جمعوا أخباره ونقلوها إلي السريان الأرثوذكس في سوريا .
أنظروا يا أحبائي كيف تكون التربية الأسرية وكيف يتعلم الأبناء حتى لا يهابوا الملوك ولم يثنى عزمهم عن المجاهرة بإيمانهم خوفهم من العذاب أو الموت .
إن التربية الأسرية مهمة جداً في حياتنا لأنها تضع البناء على أساس من الصخر ، تأملوا يا أحبائي هذا الطفل العجيب الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات كان يتكلم عن الموت كأنه مشتهاه وإشتياق قلبه .
أنه نموذجٌ فريد وحبٌ عجيب وما أجمل قول الكتاب إنظروا إلي نهاية وسيرتهم (عب 13:7) وتمثلوا بإيمانهم بركة هذا الطفل العظيم بيسر وأمه الشهيدة التي بثت فيه روح الإيمان والشجاعة والقوة حتى صار عظيماً يقتدي به بركتهما المقدسة تكون معنا .

طوباك يا شهيد الله الشهيد بيسر .
طوباك أيها الفتي الشجاع حبيب المسيح .
طوباك أيها البطل الذي لم يخف الموت .
طوباك أيها العظيم الذي رفض بنوة ملوك العالم .
طوباك أيها العميق الروح الذي فهم معنى الإيمان رغم صغر سنه .
طوباك أيها المجاهد الذي صبر حتى نال إكليل الشهادة .
طوبى لك ولأمك العظيمة التي علمتك ما هو الإيمان الحقيقي .
أذكرنا أيها الحبيب بيسر أمام عرش المسيح .

طوبى للأمة التي الرب إلهها ، الشعب الذي اختاره ميراثا لنفسه