باخوم وضالوشام أخته

باخوم وضالوشام أخته

كان أبواهما مسيحيين يعملان في فلاحة الأرض ، فوالدهما يُدعي موسى وأمهما تُدعى باشمنوفا وقد

رُزقا بهذا القديس وأسمياه باخوم ، ولما تنيح أبوه موسى ترك إبنه وله من العمر ثماني عشر سنة ففكرت أمه

في ذاتها قائلة أسميه الآن كإسم أبيه موسى وكانت حينئذ حبلى في شهرها السابع حين وفاة زوجها فلما كمل

الزمان وولدت إبنة أسمتها ضالوشام .

وكانت هذه الأسرة المباركة فقيرة الحال فلم يكن لهم شئ من متاع الدنيا وكان رجل تقي بقرية سفلاق

يُدعي سمعان وهو أرخن فاضل عظيم ذو ممتلكات كثيرة فأخذ القديس باخوم وجعله يعمل في فلاحة بستان كان

له من قبلي قرية سفلاق صحبه فعلة آخرين وإتفق معهم أن يعطيهم عشر الثمار فكانوا يقتسموه بينهم

بالتساوي .

أما القديس فكان ينفق ما يأخذه ليعيش به هو وأمه وأخته الطفلة وإتفق فى زمان الإضطهاد الذي أثاره

الملك دقلديانوس سر الله أن تظهر فضائل مختاريه وأسمائهم في كل مكان فصار أريانا الوالي يضطهد النصارى

بقسوةٍ في كل مدينة أخميم التي صارت متشبهة بأورشليم السمائية لكونها إمتلأت بدماء الشهداء الأطهار .

فلما إبتدأ أريانا الوالي بالدخول إلي المدينة صنع عيداً عظيماً في البربا وكانت جموع كثيرة مجتمعة تعيد

وأعطاهم الوالى عطايا جزيلةً من ذهبٍ وفضة وإبتدأ يضطهد النصارى في مدينة أخميم وكل تخومها فأرسل

جنوده إلي شمال المدينة إلي قرية تسمى شنشيف وأمر أن يؤتى بالمسيحيين الذي في ذلك المكان فقبضوا علي

أناس كثيرين ومنهم قس يدعى قنطس ( كندس ) وشاب يدعى بفام وآخر شجاع راعي غنم .

ثم عاد فأرسل مرة ثانية أميراً وأخذ معه فرقةً من الجند فلما قربوا من قرية سفلاق وجدوا القديس أنبا

باخوم هذا الذي تفسير إسمه " النسر الطائر إلي العلو" وهو لا يطير بأجنحة جسدية بل بأفكاره ونفسه كلها

الذي قد صارت له السماء مسكناً ومحلاً من قِبل طهر قلبه وفضائله ،هذه النعم التي وهبها الله له كما هو مكتوب

" ليس أنتم إخترتموني بل أنا إخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم ".

فلما أمسكه الجند كان متمنطقاً بسير علي حقويه فسألوه من أنت ؟ فأجابهم قائلاً : " أنا مسيحي وأعترف

بيسوع المسيح إلهاً ومخلصاً " ، فكم من عذابٍ صعب حل بالقديس أما هو فكان فرحاً مسروراً ومبتهج النفس

لأنه إستحق أن يتألم من أجل إسم المسيح فأمر الأمير جنوده أن يمسكوا القديس ويربطوا رأسه بحجرٍ ثقيل

وبأن يشدوه حول عنقه ثم قالوا له : "إن كان إلهك قوياً فلينقذك" فصلي القديس في قلبه إلى الله ثم نهض

قائماً والحجر معلق في عنقه .

فلما نظر الجند ذلك لحقهم خوف وإضطراب فقال الأمير : "هذا هو سحر المسيحيينَ ثم قال للقديس

أستحلفك بإسم يسوع المسيح إلهك أن تطرح هذا الحجر من عنقك لئلا يضل العسكر بسببك فللوقت طرحه لأجل

القسم الذي إستحلفه به ثم ربطوه في العجلة ووجهه ملتفت إلي خلف وأخذ الجنود يضربونه بقسوةٍ وهم

يسوقون به العجلة إلي قبلي .

ولشدة الإضطراب الذي حدث لم يتبعه أحد من أهل القرية ما عدا أخته الطفلة وأمه العجوز وكذا الحجر

الأصم الذي كان دمه ملطخاً عليه فأندهش الجند لذلك وقال له الأمير : " يا باخوم أنظر كيف أن الحجر يتعبك

فقال القديس للحجر : " أمكث في موضعك " وللوقت وقف الحجر من قبلي القرية وعليه دم القديس علامة

ثابتة لا تزول . ولما أتى به الجنود إلي الوالي إريانوس أقاموه أمامه وهو في شدة عظيمة بتلك الحالة المزرية

ومعه أمه وأخته فلما رآهم الوالي تعجب من فقرهم وعظم محبتهم في المسيح فأخذ يخادعهم بكلام حلو ولما

تأكد إنهم مقاومون كلامه مصرون علي عنادهم غضب .

قال الوالى للقديس : " من أنت حتى تسب الآلهة المكرمين ..؟ " فأجاب القديس قائلاً : " أنا مسيحي فقير

وفلاح أعيش على العشور مع رفقتي " فقال له :"إن كنت لا تسمع ولا تطيع فأنا أعاقبك أما سمعت بما صنعته

بجميع المسيحيين المخالفين لأوامر السادة الملوك الأعزاء ولاسيما ما صنعته فى الذين من قرية شنشيف"؟

فأجابه القديس : " إن الآلهة الذين تذكرهم لا أعرفهم قط ولا يميل قلبي إليهم لأن إلهي عظيمٌ وممجد واسمه

ُ يسوع المسيح هذا الذي له السجود والإكرام .

فقال له كيف لا تعرف الآلهة المكرمين وتعرف هذا الذي ذكرت إسمه أين هو لأعرفه ؟ فأجاب أنبا باخوم هو

له السماء والأرض ورب كل من يترجاه وهو كائن قبل الدهور تجسد وتأنس لأجل خلاصنا نحن الخطاة وهو

معين لكل من يتوكل عليه بنيةٍ خالصة فإنه يحفظه وينجيه وهو الإله العظيم واسمهُ قوس فتعجب الوالي من

منطقة الحسن وكونه فلاحاً لا خلطَة له بالمعلمين وقال له بغضب إرفع البخور للآلهة المكرمة لكنه لم يجد إلا

إصراراً .

فلما أيقن الوالي أنه لا يضحي ولا يسجد للأصنام أمر الجند بتعذيبه بغير شفقةٍ إلي أن تجرح جسده وصار

دمه ينزف على الأرض ، ثم أمر أن يضربوه بسياط مصنوعة من جلود البقر حتى غشي عليه وسقط على

الأرض كمثل الميت ولما فاق من غشيته أعني القديس الظافر المجاهد في معركة الإيمانَ وقف ورشم ذاته

بعلامة الصليب وسبح الله الذي جعله أهلاً أن يتألم من أجل إسمه .

قال له الوالي إسمع مني لكي تريح نفسك وأسجد للآلهة المكرمة أبوللون و أرطاميس ولا سيما بيمباجوش

الإله الكبير الذي لهذه المدينة وبقية الأسماء المكرمة ( لأنهم كانوا سبعين إلهاً ذكور وسبعين آخرين إناث ) وأنا

حزين لأنك رجل أمي وعديم المعرفة وعنيد .

فلما نظرت المغبوطة ضالوشام إلي أخيها وهم يعذبونه على إسم السيد المسيح تقدمت هي أيضاً إلي الجهاد

العظيم ولها من العمر ثمانية سنوات فلما نظر الوالي ما كان منها إندهش جداً لشدة مسكنتها إذ لا ترتدي إلا

ثوباً بالياً وطفولتها وقوة قلبها ومحبتها في المسيح فأغتاظ وأمر أن تُعاقب بعقابٍ شديد وأن تكوني يا ضالوشام

صغيرة العمر والقامة إلا إنك كبيرة في العلم والمعرفة بالله مخلصنا بمن أُشبهك يا ضالوشام أُشبهك بدانيال

الصغير في السن الكبير في المعرفة وبأرميا النبي في شكله ومثاله إذ قد تمثلت به فإن الرب يقول لإرميا أني

قبل أن خلقتك وجبلتك في البطن عرفتك ومن قبل أن تخرج من الرحم طهرتك .

أما أنت يا باخوم فقد تشبهت بأشعياء النبي الذي نشروه بمنشار الخشب وبحزقيال النبي في عبادته أنتما

الآن قد صار إفتخاركما بالمسيح يا من قدما جسديهما للعذاب والنار لأجل إسم المسيح الحلو الذي هو إسم

الخلاص المملوء من كل مجد بالحقيقة كل من يتقدم إلي صورتكما ( أيقونتكما ) بمحبة أيها الشهيدان المعترفان

بالملك الحقيقي يسوع المسيح وله أمانة صادقة ينال الشفاء .

أيها الأمير أن القيام في حضرة ملكهما الذي لا يزول ولا يتغير يسوع المسيح يا من لم يخافا من تهديد

العذاب ولا من رؤية الهنبازين وآلات التعذيب والمرازب الحديد وقدر النحاس المملؤة زفتاً وكبريتاً والسيوف

المسنونة فمن يستطيع أن يمدحكما كإستحقاق كرامتكما فإني أحسب آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد

أن يستعلن فينا " رو 8 : 18 " .

تعذيب القديسة ضالوشام :

أما الجنود فضربوا القديسة ضرباً موجعاً حتى وقعت على الأرض فلما نظر الأنبا باخوم أخته وهي في

غيبوبةٍ تنهد من عمق قلبه وصار في حزنٍ ورفع صلاة إلي العلى قائلاًً :

" يا إله القديسين ورب الأرباب أيها السيد ضابط الكل الذي له عدم الموت وحده يا من نزل من السماء

لأجل خلاصنا وحمل الآلام لأجل آدم وذريته حتى يفكهم من يد العدو الشيطان الآن أطلب من صلاحك يا محب

البشر اللهم إسرع إلي معونتنا في هذه الساعة لأنك معين لكل من يترجى إسمك يا من يعطي المعيى قدرةً ، قونا

نحن أيضاً لأنك أنت أب الأيتام وقاضي الأرامل وميناء للذين في العاصف ومرشد الذين في الطرقات أنت الذي

تشبع الجياع من الخيرات اللهم نجنا وتحنن علينا وأشرق بوجهك علينا وأحفظنا حتى نكمل سعينا وجهادنا

الموضوع أمامنا أنا وأختي الصغيرة ، ثبت نفوسنا وواسنا لئلا نخور في الجهاد يا من يسمع لصوت كل من

يدعوه إسمع صوت تضرعي وأقبل سؤالي حتى نكمل ما قد وُضع أمامنا ولا نكون هزئاً وضحكاً أمام الناظرين

فإن إسمك مرتفع علي الكل أنت الذي يليق لك التسبيح والمجد والإكرام يا إله آبائنا ورب البرية إحفظنا حتى

نسلم نفوسنا بين يديك أنت هو المتحنن والرؤوف يا من لا يشاء موت الخاطئ لا تتخل عني وعن هذه الفتاة

الصغيرة المسكينة لأننا متوكلين عليك إلي الأبد ".

وكان الحراس يسمعونه وهو يصلي وهم وقوف متعجبين من منطقة الحسن وإذ بقوةٍ نورانية وقفت ما بين

القديس باخوم وأخته ضالوشام وشفتها وقوتها فنهضت القديسة وتقدمت إلي أخيها وأمسكت بيده ثم تقدمت

ووفقت أمام الوالي الذي أحضر له ثوبين من الحرير الفاخر متقن الصنع وقدم لها قليلاً من البخور وقال لها:

أنظري يا إبنة خذي هذا اليسير من البخور واللبان وأرفعيه في هذه المجامر وأنا أخلع عنك هذه الثياب

البالية فلم تلتفت لقوله فأغتاظ جداً وأمر أن يضعوا جمر نار على صدرها وتحت جنبيها حتى تكتوي جميع

أعضائها بالنار وأيضاً بأنواع العذاب المختلفة بقيود الحديد وبسلاسل في عنقها وأيديها في المراجل وهو يغلي

لأن هذه القديسة كانت قوية القلب ثابتةً كمثل حجر الماس القادر علي المصادمات وكذا أيضاً القديس باخوم أمر

الوالي أن يقلعوا أظافر يديه ورجليه ويعذب بأنواع العذاب فآمن كثيرون بواسطتهما ونالوا إكليل الشهادة .

وأخيراً لما رأي الوالي أنه لا ينفع شئ معهما بل كانا سبباً في إيمان الكثيرين أمر بأن ينزعوا رأسيهما بحد

السيف فأكملا شهادتهما في اليوم الثاني والعشرين من شهر كيهك في وقت الساعة الخامسة من النهار في

المدينة المحبة لله أخميم فصار لهما بهذا ذكرى عظيمة في السماء وعلى الأرض وكل من يسأل ينال بإسمهما

الخلاص والرب ينجيه من فخاخ الشيطان فتعالوا لنفرح ونبتهج في هذا اليوم في عيد هذين الشهيدين لننال

بركتهما وشفاعتهما أمام منبر المسيح .

تكفين الشهيدين ودفنهما :

بعد هذا أتى أهل قريتهما وأحضروا لهما أكفاناً حسنة غالية الثمن وتوابيت من خشبٍ كريم مع طيب

روائح ذكية وكفنوا جسديهما وحملوها ومضوا بها إلي بحري ( شمال أخميم ) خارج قريتهما في الجبل الشرقي

ودفنوهما هناك وهم فرحون بما أعطاهما الله من نعم جزيلة لأجل إعترافهما الحسن بالمسيح الذي يجازي كل

واحد على قدر تعبه ولا يخيب من طلب مراحمه لأنه يستجيب لمن يدعوه ومغيث من يرجوه فوهب لهذين

القديسين الأكاليل التي لا تضمحل المحفوظة لهما في السماء .

فأنظروا أيها الأحباء لهذين القديسين اللابسين الروح الذين تاجروا بالوزنات وربحا وعيّدا مع جميع

القديسين فلأجل الأتعاب والعذاب الذي نالوه أمام حكام الأرض الزائلين نالا ما لا يزول .. ومن بعد هذا يا أحبائي

أتي أهل مدينة أخميم بعد أن دفنوهما بحاجر قريتهم سفلاق وإبتدأوا في بنيان بيعة علي أعضائهما الطاهرة

أعني الناس المحبين لله من أهل مدينة أخميم لكي ما تدركهما بركتهما في زمن الشدائد .

بناء الدير :

كان أرخن غني محباً لله من أهل قرية سفلاق يُدعى مرقس إبن محب للبيعة إسمه شنوده ذا جاه ومال كثير

فلما تنيح قام إبنهُ شنوده ودفنه في موضع بجانب أجساد القديسين أنبا باخوم وأخته ضالوشام وإتفق أن كان

يوم حار فأتى شنودة إلي قرية سفرق ولما أمسى الوقت دخل مخدعه ليرقد فلم يقدر وقام من نومه وطلع فوق

سطح بيته وتطلع إلي المشرق نحو الجبل فنظر نوراً ساطعاً في الجبل وسمع أصواتاً حسنة لقومٍ يسبحون

ويرتلون داخل البيعة فأندهش وكثر تعجبه ثم رجع إلي منزله وهو يمجد الله وقديسيه

ولما كان باكر النهار جمع الفعلة لعمل الطوب ولقطع الحجر وأحضر المعلمين والمهندسين وإبتدأ ببناء

الدير العظيم حتى كمل البناء بكل زينةٍ وبحسن نظام وترتيب وحضر الأب الأسقف أنبا صرابامون وكرسه علي

إسم الشهيد العظيم الأنبا باخوم وضالوشام أخته وأظهر الرب في هذا الدير آيات وعجائب ومواهب شفاء في

ذلك

اليوم فطلب الأرخن شنوده من الحاضرين أنه إذا ما تم سعيه وإنتقل من هذه الحياة يُدفن جسده في دير الشهيد

أنبا باخوم وأخته ضالوشام بنجوع الصوامعة شرق ويقع علي حافة الأرض الزراعية في إتجاه الشمال الشرقي

من أخميم وعلى بعد نحو عشرة كيلومترات منها(والوصول إليها من أخميم أو سوهاج بالأتوبيس والنزول

بمحطة كوبري الدير).

وصف كنيسته :

حجاب الكنيسة قديم ولهيكل الشهيد بابان أحداهما عن اليمين وآخر إلي أقصى اليسار وفي مواجهة

المذبح توجد طاقة بالحجاب منها يبارك الكاهن الشعب كما تمتاز قبة الهيكل وهي مصنوعة من الخشب بدقة

الصنع ونقوشها الجميلة وتعتبر الباكية القبلية من أجزاء الكنيسة القديمة وتلاحظ أن العتبة العليا للباب

الخارجي للدير عليها نقوش فرعونية ( من عهد البطالمة ) .

وتعتبر كنيسة الدير المبني الوحيد الباقي من الدير وقد إحتفظت بطابعها وسلمت من الإندثار إن كثير من

المؤرخين لم يحالفهم الصواب في تعريف هذا الدير إذ نسبوه خطأ إلي القديس أنبا باخوم أب الشركة .

جسد الشهيدين حالياً :

بعد فترةٍ من إستشهاد الشهيدين أنبا باخوم وضالوشام أخته كان المؤمنين قد بنوا دير الشهيد الأسقف

الأنبا بسادة في شرق المنشأة ووضعوا به جسد الأنبا بسادة ورأى المؤمنون أن ينقلوا جسد الشهيدين ليكونا

بجوار جسد خالهما الأسقف وعندما وضعوا الصناديق التي تضم جسديهما إذ بالصناديق تقف وحدها فأعادوا

وضعها أفقياً فوقفت مرة أخرى فعرفوا أن هذا إكراماً لخالهم الأسقف الشهيد لا يريدون أن يكونا بنفس مستواه

فتم بناء مزار لهما مرتفعاً عن مزار الأنبا بسادة ويشاهد هذا الوضع إلي هذا اليوم لمن يزور دير الأنبا بسادة .


قداسة البابا شنوده الثالث 
نيافة الأنبا أبراهام

طوبى للأمة التي الرب إلهها ، الشعب الذي اختاره ميراثا لنفسه