أولاد الشهيدة رفقة

أولاد الشهيدة رفقة

أسرة مباركة :

هناك في بلدة كامولا التابعة لمركز قوص بجوار الأقصر كانت تسكن القديسة رفقة ، وكان لها أربعة

أولاد هم أغاثون وبطرس ويوحنا وأمون وطفلة صغيرة هي أمونـا، توفى زوجها وترملت وشعرت بأنها أمام

مسؤولية عظيمة وهي تسليم الإيمان لأولادها الخمسة ، فعكفت على ذلك بإزالة كل جهد وعملت على تعبئة

مشاعرهم وتحفيز عواطفهم ومحبتهم وأشواقهم نحو الله .

 

صلاة ورؤيا :

في سنة 303 وإذ ملك دقلديانوس أصدر منشوراً يقضي بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة ، عندئذ قام

أحد المؤمنين بتمزيق المرسوم الملكي فكانت المذبحة الكبرى إذ إمتلأ القيصر حماقةً وغضباً وأخذ يبطش

بالأساقفة ويذبح المؤمنين فكان هذا عاملاً قوياً في تقوية الكنيسة وتدعيم الإيمان

وأصدر دقلديانوس منشوراً أخر يقضى بسجن جميع رؤساء الكنائس وتعذيبهم حتى يضطرهم على جحد

الإيمان وأن يُعاد بناء مذابح الأوثان وأن يقدم الرجال والنساء والأولاد الذبائح والسكائب وإكراههم علي تذوق

التقدمات.

وإذ سمعت الأم رفقة هذه الأخبار إلتهب قلبها وتأججت أشواقها فجمعت أولادها الخمسة وقصت عليهم ما

وصل إلى مسامعها عاملةً علي تثبيت الإيمان في قلوبهم رغم كل التيارات . وذكرتهم بأن الرب قال :" في العالم

سيكون لكم ضيق " ، وأن لا يخافوا الموت ولا العذاب لأن الموت لا يخيف إلا الجبان .

وقالت لهم : إن أعظم عطية يقدمها الإنسان هي أن يقدم حياته بغير تردد ولا ندم بل بكل فرح وشجاعة

وأعطتهم أمثلة لقديسين أبطال لم يرهبوا كل

وسائل التعذيب بل قابلوها ببسالةٍ ولم تقدر جميع صنوف الآلام أن تزعزع إيمانهم ولم تميلهم ولو إلي

لحظة جميع أنواع الإفتراءات .

ولفتت نظرهم أن هؤلاء الذين قدموا حياتهم كانوا تائبين وأنقياء يستعدون لأبديتهم بالطهارة والقداسة التي

بدونها لا يعاين أحد الرب ثم وفقت بهم للصلاة والتوسل إلي الله أن يرحم كنيسته وشعبه ويُثبت الإيمان في قلوب

المؤمنين ويعضد الضعفاء ويرد الضالين طالبين منه طلبةً خاصة لأجل نفوسهم .

ورفعت الأم المثالية قلبها إلي الله في صلاة ودموع وإنسحاق من أجل أولادها الخمسة طالبةً قوةً من

القديسين ومن مارمرقس الشهيد الذي روي بدمائه الطاهرة أرض مصر وطالت وقفتهم في الصلاة والتسبيح

والشكر لله حتى قضوا الليل كله في الصلاة لا عجب في هذا أن نرى الأم تشجع أبنائها على الإستشهاد فقد كان

الطفل دائماً ينمو محباً للمسيح حتى الموت ولكي يلاقي بالموت المسيح الذي أحبه ولا يخاف الموت ولا يرهبه .

وكانت الأسرة تربي أولادها على التمسك بالإيمان والدفاع عنه حتى الموت فنشأ في الكنيسةِ جيلٌ قوي

مستعد للشهادة مستعد للملكوت ولملاقاة الرب كل حين ، وفيما هم وقوف خاشعين متعمقين في صلاة حارة أرسل

الرب ملاكه لكي يُعلن لهم أنهم سينالون إكليل الشهادة علي إسم المسيح بشبرا قرب الإسكندرية (تابعة لمحافظة

البحيرة ) .

وبعد أن نقل إليهم هذه البشارة المفرحة عزاهم وأعطاهم السـلام قـائلاً لهم : " الرب معكم ويقويكم حتى

تكملوا جهادكم فلا تخافوا الموت ولا تجزعوا منه وإشهدوا للرب " .. ثم إنطلق وقد ملأ قلوبهم بفرحٍ ليس له مثيل

فقد كانوا مؤهلين للشهادة بإستعداد قلبي ونفسي شاعرين بأن ما يحيونه علي الأرض هو مجرد غربة عن الله

وبأن وطنهم الحقيقي هو في السماء وآمنوا بالحياة التي بعد الموت وأحبوها ..

 

 

تحرر وإنطلاق :

وفي الصباح وبعد ليله مملؤة بالتعزيات والرؤى وإذ مضى الملاك قامت القديسة رفقة فوزعت ما تملك

علي الفقراء والمحتاجين متحررةً من كل رباطٍ أرضيٍ مادي رافعةً قلبها أن يرتب الرب أمورها كذلك أولادها

الخمسة واضعين الرب فوق كل رابطة أياً كانت .

مضوا جميعاً إلي مدينة قوص وهناك توجه أغاثون الإبن الأكبر إلي ديونيسيوس القائد وأقر بإيمانه

واعترف جهراً بالسيد المسيح وزاد علي ذلك بأن وبخ القائد على تركه الرب وإنحرافه لعبادة الأصنام .

وإذ تكلم بهذه العبارات إمتلأ القائد غيظاً وحقداً وأمر بإحضار باقي إخوته وأمه حتى يبخروا للأصنام وإلا

فسيلقوا العذاب ففرحوا جميعاً لما سمعوا هذا الأمر وحضروا أمامه فطلب منهم أن يخضعوا له ويبخروا للأصنام

وينكروا المسيح فرفضوا وحاول معهم بكل الطرق فكانوا يهزأون به وبعبادته وأصنامه الباطلة شاهدين للإله

الحي رب السماء والأرض . يئس الوالي من محاولات إستمالتهم فتوعدهم وأمر بأن يعد له آلات التعذيب حتى

يرجعوا عن إيمانهم .

 

 

العذابات :

من المستحيل أن نصف العذابات التي تكبدها الشهداء في هذا العصر ولا نستطيع أن نحصى أنواعها

ولكن على الرغم من كل هذا فقد كان هناك حماس بالغ ونشاط وغيرة متقدة أبداها المؤمنين بالمسيح . فحالما

كان يصدر الحكم علي أول شخص كان الباقون يندفعون الواحد تلو الآخر إلي كرسي القضاء ويعترفون بمسيحهم

غير مبالين بالعذاب متقبلين حكم الموت بفرح وبشاشة مرنمين ومتهللين للرب .

وهذا ما حدث مع القديسة رفقة وأولادها فقد أمر الوالي ديونيسيوس بأن يعذبوا القديسة فعذبوها بعذابٍ شديد

ولكنها إحتملته وكانت تشجع أولادها ولم تتزعزع فأمر الوالي بأن تُربط مع أولادها ويُرفعوا جميعاً وتُشعل من

تحتهم النيران حتى تحترق أجسادهم ولكن النيران لم تؤثر فيهم وكانوا يشكرون الرب الذي حفظهم ولم تظهر

النيران أي أثر في أجسادهم .

 

وأمام هذا المنظر العجيب إنذهلت الجموع وصاحوا بصوتٍ عال إننا مسيحيين وقدموا أنفسهم بفرحٍ لكي ينالوا

شرف التألم لأجل إسم المسيح ونالوا جميعهم إكليل الشهادة .

 

في الإسكندرية :

ولثباتهم وما إحتملوه من عذاب في وداعة وصبر ولسبب الجموع التي آمنت وكان الإبن الأكبر أغاثون

هو مقدم بلدته ومحبوباً من مواطنيه فقد أشار البعض علي القائد ديونيسيوس بأن يبعدهم عن بلدتهم فأرسلهم إلي

أرمانيوس والي الإسكندرية .

وما أن سمعت القديسة وأولادها أمر القائد حتى إمتلأوا فرحاً لأن الرب أراد لهم أن يدخلوا في عمق

الشركة معه بأن سمح لهم أن ينتقلوا إلي مكانٍ جديد ليشهدوا بإسمه وقبل أن يمضوا من هذا المكان وقفوا معاً

وصلوا إلي الله لكي يعضدهم وكما كان معهم يظل مؤازراً لهم فجاءهم صوتاً قائلاً لهم: " لا تخافوا ولا ترتابوا

فالمسيح معكم إلي النهار" .. فتعزوا وإذ بالجند قد حضروا فأخذوهم إلي سفينةٍ كانت قد أُعدت لتقلع إلي

الإسكندرية .

ولما وصلوا علموا أن ارمانيوس الوالي متغيباً في بلدة شبرا (التابعة لدمنهور) قرب الإسكندرية فأرسلوا

إليه هناك وسلموه خطاب ديونيسيوس ولما قرأه أمر بأن يُودعوا في السجن لحين النظر في أمرهم فكان السجن

بالنسبة لهم مكان فرح وتعزية وملأوا السجن تسبيحاً وترتيلاً وتهليلاً وصلاة وكأنهم في أفراح ، وأخذت الأم

تقوي أبنائها وتُذكرهم بمكانة الشهداء في الكنيسة وكرامة الإستشهاد .

 

 

تجديد العذابات :

أمر الوالي أن يُحضروا القديسين ليمثلوا أمامه وحين حضروا سألهم قائلاً لماذا عصيتم أمر القائد ؟ ولماذا

لم تذبحوا للآلهة ؟ فتكلم أغاثون موجهاً كلامه للقائد قائلاً إننا نعبد الإله الحي رب السماء والأرض ورفضنا آلهتك

لأن عابديها سيهلكون .

وهنا أمره الوالي بأن يكف عن الكلام وتوعد لهم وطلب إلي الجند أن يخلعوا أسنانهم ويُضربوا بالأمشاط

المدببة فاحتملوا بصبر وفرح واستدعى القائد القديسة رفقة وطلب منها أن تخضع لأوامره حتى يكون لهم الخير

والتنعم ووعدها بأن ينال أولادها مناصب رفيعةٍ ويُعادوا إلي حالٍ أفضل مما كانوا عليه بكثير وإلا فسينالوا

العذاب .

 

 

إكليل الشهادة :

ولأن العذابات لم تؤثر في القديسة وأولادها غضب القائد وجلس في خزي يستشير من حوله في أمرهم

فأشاروا عليه أن يقطع رؤوسهم ولما سمعت القديسة هذه الكلمات فرحت وصلت إلي الرب قائلةً : " نشكرك أيها

الرب الإله لأنك ساندتنا إلي هذه الساعة ومنحت لنا أن نقف أمامك ، أهلنا يا سيدنا أن يكون لنا شرف الشهادة

على إسمك القدوس ولا تدعنا نحن عبيدك أن يتزعزع إيماننا بك " .

وضمت الأم أولادها الخمسة بين يديها وتقدمت بهم إلي الجندي المكلف بتنفيذ الحكم فقطع

رؤوسهم ونالوا جميعاً إكليل

الشهادة على إسم المسيح . ثم أعلن الرب لرجل مسيحي ثري في رؤيا أن يحفظ الأجساد قائلاً له:

" قم خذ

الأجساد من الجنود " ، فقام وقدم للجند بعض المال وأخذ الأجساد منهم وسار بها حيث كفنها بأكفان ثمينة

وسمع صوتاً يقول هذا مسكن الأبرار.

فحفظ الأجساد عنده حتى زال الإضطهاد ثم نقلت فيما بعد إلي الكنيسة التي بسنباط ، وقد أجري

الرب آيات

وعجائب من أجسادهم وهذه الكنيسة مازالت تحمل إسمهم ببلدة سنباط مركز زفتي بمحافظة

الغربية وكان إستشهادهم

في يوم 7 توت

 

كنيسة القديسة رفقة :

تحوي هذه الكنيسة أكبر عدد من أجساد الشهداء القديسين فهي تضم 14 جسد شهيد ، سبعةً من الصعيد

وسبعةً من وجه بحري.

+ شهداء الصعيد وهم الست رفقة وأولادها الخمسة وجسد القس أبانو كاهن قوص .

+ شهداء وجه بحري هم : أبيروه وأوتوم من سنباط ، ويوحنا وإبن عمه سمعان من ملس ، وبنوه البندراوي

من البندرة ، وإسحق الدفراوي من بلدة دفرة ، وتوماس الشندلاتي من شندلات .

طوبى للأمة التي الرب إلهها ، الشعب الذي اختاره ميراثا لنفسه